وجه الشيخ المبدع أو المبدع الشيخ سلمان العودة الشكر لأعدائه في كتابه «شكراً أيها الأعداء» تارة شكرهم لأنهم كانوا سبباً في انضباط النفس وعدم انسياقها مع مدح المادحين، وتارة شكرهم لأنهم يشحذون همة المرء ويصنعون التحدي ليصبح المرء شديد الحرص على الترقي وتحري مقامات الرفعة والفضل، وتارة أخرى شكرهم لأنهم دفعوه لمقابل السيئة بالحسنة ومن ثم تحصيل ثوابها.
وضع الشيخ المبدع يده على الجرح ليكون سبباً في التئامه لا مهيجا لنشاطه، حيث إننا في وقت تزايدت فيه العداوات وسيطرت الأحقاد على النفوس وصار النجاح بالفعل مصدراً للمتاعب والمشاق. في الزمن الماضي كان الناس يتقاربون ويتشابهون وربما كانت ملذات الدنيا ومتعها محدودة بحدود الجغرافيا وحدود البشر ومن ثم لم تكن دواعي العداء قوية وظاهرة مثلما نراها في زمننا هذا حيث تعددت طرق النجاح وتعددت معها ثمار النجاح من مال وجاه ومكانة وتأثير وسلطة في بعض الأحيان، وبالتالي انشغل كثيرون بمتابعة غيرهم وهم يقطفون الثمار ويجنون الرحيق ويحققون النجاح.
المحزن أن أعداء النجاح سيكتشفون بعد فوات الأوان أنهم فرطوا بأيديهم وبمحض نفوسهم المريضة في فرص الحياة السعيدة الكريمة، سيكتشفون أن حياتهم تسربت بين أصابعهم وهم يشغلونها ويتعبونها بالإشارة والوعد والوعيد لأهل النجاح، سيكتشفون أنهم فقدوا كل شيء .. كل شيء.. فما أتعسهم!!هم لم يعاصروهم أو يعطوا لهم بالاً وهم يبدؤون من نقطة الصفر ويواجهون متاعب ومشاق نفسية ومادية ومهنية وأسرية، لم يتابعوهم وهم ينحتون في الصخور مسالك ودروبا يخرج منها غبار يفقدهم القدرة حتى على التقاط أنفاسهم، لم يشاهدوهم وهم يضحون بملذات فانية أو قصيرة الأجل في سبيل الوصول لهدف عظيم حفروه في عقولهم وقلوبهم، ولم يتابعوهم وهم يفندون خيارات وبدائل وترهقهم من شدة الاختيار. وبالتأكيد هم لم يروا ذوي الناجحين وهم يشكون مرارة البعد والانشغال ويطلبون منهم أبسط الحقوق في رؤيتهم والاستئناس بهم. فقط انتبهوا عندما عاينوهم وهم يقطفون ثمار النجاح وشرعوا يعددون عليهم النعم ويجتهدون في الانتقاص من قدراتهم والتقليل من نجاحاتهم. في زمننا هذا ـ للأسف ـ كثيرون احترفوا الكلام دون الفعل والتمسوا النجاح في الهجوم على الآخرين وهدم انجازاتهم. الحقيقة أن أعداء النجاح يصعب عليهم للغاية الفوز في تحقيق مسعاهم في تشتيت جهود وتركيز الناجحين، لأن الناجحين تذوقوا طعم النجاح وثبت لهم بالدليل القاطع أنهم ساروا في الطريق الصحيح وأنه بقدر متاعبهم يكون نجاحهم وبالتالي تنزل عليهم المتاعب بعد نجاحهم برداً وسلاماً، موقنين أن هناك نجاحات أكبر تنتظرهم في الطريق، ويمضون في تحقيق الانجازات والصعود في سلم التألق وكأنهم قد تعاطوا مصلاً ضد فيروسات يصنعها أعداء النجاح وأكاذيبهم وحيلهم. أيضاً نلاحظ في زمننا هذا أن وسائل الاتصال المتعددة والمتنوعة باتت منافذ واسعة وممتدة لأعداء النجاح كي يبثوا سمومهم بالصوت والصورة ومع ذلك لم يتزعزع الناجحون عن مواقعهم ومسالكهم، بل ربما سعدوا بهذا لأن فيه كشفاً وتعرية لأعداء النجاح وتشهيرا بهم تكسبهم علامة تجارية مشهورة ومسجلة شعارها «نحن الحساد… دعونا ننفث سمومنا لنشعر بالارتياح». المحزن أن أعداء النجاح سيكتشفون بعد فوات الأوان أنهم فرطوا بأيديهم وبمحض نفوسهم المريضة في فرص الحياة السعيدة الكريمة، سيكتشفون أن حياتهم تسربت بين أصابعهم وهم يشغلونها ويتعبونها بالإشارة والوعد والوعيد لأهل النجاح، سيكتشفون أنهم فقدوا كل شيء .. كل شيء.. فما أتعسهم!!
أخيراً… شكراً أيها الأعداء… وشكراً أيها الشيخ المبدع.