الرئيسية مقالات في التسويق

حوار مع منتجات دانماركيّة

عندما ذهبت للتسوق في إحدى المراكز الاستهلاكيّة، وجدت في إحدى الأركان وبعيداً عن الأرفف مجموعة من المنتجات الغذائيّة المتنوعة، عرفت أنّ هذه المنتجات مغضوبٌ عليها لأنّها من إنتاج شركات دانماركيّة تعمل في السعوديّة أو في خارجها، الحقيقة أنّ مشهد المنتجات وهي قابعةٌ على الأرض في الأركان لفت انتباهي، فهذه المنتجات قبل أيام قليلة كانت تسيطر على مساحة ملحوظة من الأرفف، وتبدو وكأنّها نجوم تتلألأ في المكان  تتيه فخراً بجودتها وبإقبال الناس عليها، وفي لحظات تخيّلت أنّ هذه المنتجات تذرف الدموع حزناً على وضعها المهين وشعورها بأنّها أصبحت منبوذة بعد أنْ كانت مرغوبة ومطلوبة، وجدت نفسي أدير حواراً مع هذه المنتجات:

قالت لي المنتجات الدانماركيّة: ” نحن لا نستحق هذا الوضع المهين، لم نقصر في حق عملائنا، لم نتخلَّ عنهم، في كلّ مرة يأتون فيها إلى هذا المكان يجدوننا في أتمّ الاستعداد لتلبية احتياجاتهم، ياللحسرة لقد تخلّوا عنا في لحظات، بل وضعونا في القائمة السوداء استعداداً لتنفيذ حكم الإعدام بدون ذنب ارتكبناه”

قلت لهم: ” ذنبكم أنّكم خرجتم من رحم شركات تنتمي لمجتمع لم يحترم مقدساتنا ، لم يحترم رموزنا، وإذا كان الأبناء غالباً ما يدفعون خطايا الآباء فأنتم دفعتم خطيئة مجتمع وحكومة، ومن الآن فصاعدا ستخسرون الكثير والكثير”

تغيرت نبرة المنتجات الدانماركيّة وبدأت تتحدث بعصبيّة واضحة: ” نعم نحن سنخسر الكثير، وأهم ما سنخسره هو عملاؤنا الذي بنينا معهم علاقات دائمة على مر السنين، ولكنكم ستخسرون أيضاً، ستخسرون منتجات تعودتم على استهلاكها، منتجات تجزمون بجودتها، منتجات تحبونها أنتم وزوجاتكم وأطفالكم، وبالطبع ستخسرون أشياء أخرى كثيرة أهمها استثمارات شركاتنا في بلدكم ”

قلت لهم : ” لن نخسر فالبدائل كثيرة ”

قالت لي المنتجات الدانماركيّة: ” ماذا ستفعلون سوى أنّكم ستتجهون إلى شراء منتجات أجنبيّة أخرى أو تمنحون الفرصة لشركات أجنبية أخرى كي تسيطر على أسواقكم وتنتج هي لتستهلكوا أنتم ”

قلت للمنتجات الدانماركيّة والغيظ يتملكني: ولماذا نشتري منتجات أجنبيّة أخرى ونحن لدينا منتجات وطنيّة تستطيع أنْ تشبع احتياجاتنا؟!

قالت لي المنتجات الدانماركيّة: ” يا عزيزي إنّها عقدة الخواجة التي تسيطر على سلوكياتكم الشرائيّة منذ عشرات السنين، ولن تتخلصوا منها للأبد، أتعرف لماذا؟ لأنّكم تفتقدون ثقتكم في أنفسكم وفي إمكانياتكم، ولأنّ شركاتكم لم تمارس ولن تمارس على الإطلاق أدواراً فعالة لتشجيعكم على التخلص من هذه العقدة.

قلت للمنتجات الدانماركيّة: آن الأوان لأنْ نتخلص من هذه العقدة، والبداية ستكون في السوق الذي تخرجون منه الآن، أنا أثق تماماً في أنّ شركاتنا ستستثمر هذه الفرصة الذهبيّة في السيطرة الكاملة على هذا السوق، ستقترب أكثر من عملائها لتعرف احتياجاتهم وتوقعاتهم، ستبني في أذهانهم صورة ذهنيّة جديدة ومكانة متميزة في عقولهم، ستبدع في تقديم رسائل ترويجيّة تساهم في بناء اتجاهات جديدة وإيجابيّة نحو المنتج الوطني، ستبني هذه الشركات جسور الولاء بينها وبين عملائها، ولن تدعهم يذهبون بعيداً مرّة أخرى، ليس هذا فقط بل سيكون هذا الحدث هو نقطة الانطلاق نحو الأفضل في تغيير واقعنا الصناعي والاقتصادي، سننتج ما نستهلكه، سنطور أساليبنا في العمل والإنتاج، سندرب مهندسينا، وموظّفينا، وعمالنا على أساليب العمل الحديثة، سنجري الأبحاث والدراسات، سنسن القوانين المشجّعة على التصنيع والاستثمار، سنبث في مجتمعنا روحاً جديدة، روح العمل والإنتاج و……هنا تعالت ضحكات المنتجات الدانماركيّة وصاحوا بصوت واحد ” قلبك أبيض يا دكتور “

قد يعجبك أيضًا
القضاء والقدر..وعالم التجارة
فتح باب الاستثمار للمقيمين
العمالة الأجنبية.. قُضي الأمر الذي فيه تستفيان..!

أكتب تعليق

تعليقك*

اسمك *
موقعك الإلكتروني

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الادارةالمديرالموارد البشريةالنجاحترويج و اعلانتسويقريادة أعمالعمل المرأة