الرئيسية مقالات في الادارة

إدارة خالتي قماشة…!

في مطلع الثمانينيات وقبل هوجة الفضائيات – التي لا يسمن معظمها ولا يغني من جوع – ارتبط المشاهدون بمسلسل كويتي كوميدي ذاعت شهرته في دول الخليج.. مسلسل ”خالتي قماشة” والذي تدور أحداثه عن ”قماشة” تلك السيدة العجوز التي تقيم مع أبنائها وزوجاتهم في مسكن واحد، ترغب ”قماشة” في الحفاظ على سلوك أبنائها وعدم استسلامهم لزوجاتهم، ورأت أن الطريقة المناسبة لتحقيق هذا الهدف هو زرع ”كاميرات” في حجرات أبنائها لتعرف كل ما يدور بين أبنائها وزوجاتهم، ومن ثم تتدخل إذا ما استلزم الأمر؛ لتحافظ على كيان العائلة وتماسكها ولتبقى على اطلاع بما يودون القيام به، ولتشعر بأنها هي سيدة المنزل والكل يرتجف منها ويفز لها.

تذكرت حكاية ”خالتي قماشة” وأنا أشاهد وأسمع عن الكثير من المديرين والمديرات ممن اختزلوا كل أدوارهم الإدارية في المراقبة الشخصية لموظفيهم.. تجدهم يحرصون على معرفة أدق التفاصيل عن تحركات الموظفين داخل المنظمة.. بمن يتصلون ومع من هم يتواصلون.. ماذا يكتبون وعن ماذا يتحدثون.. طبيعة الأوراق التي تحط وتغادر مكاتبهم.. من الأشخاص الذين يزورنهم وما سبب الزيارة..!! هم يعتقدون أنهم بهذه الطريقة يسيطرون على الوضع ويمنعون الأخطاء ويكتشفون التقصير.. في المقابل الموظفون يرون أن هذا الأسلوب من المراقبة دليل على ضعف قدرات رؤسائهم الإدارية، وإشارة على وجود خلل في شخصياتهم وطريقة تفكيرهم، وعلامة على نقص ثقتهم بأنفسهم وبمن حولهم.

حدثني صديق لي عن مدير في إحدى المؤسسات يتابع من خلال شاشة تلفاز وضعها على مكتبه الموظفين وهم يتحركون ويعملون في مكاتبهم، فالمؤسسة بكاملها تخضع لكاميرات مراقبة موزعة في كل مكان حتى الطرقات، ربما يكون مقبولا أن توضع كاميرات المراقبة في البنوك والمصارف والمتاحف والأماكن التي يمكن أن تتعرض لاعتداءات أو تجاوزات تؤثر على أمن وسلامة المكان والعاملين فيه، لكن ليس ملائما على الإطلاق زراعة كاميرات في شركة أو مؤسسة تمارس أنشطة عادية أو لا يخشى فيها على سلامة ممتلكاتها وموظفيها.. هنا يتقمص المدير دور ”رجل المخابرات”، وربما لا يتوانى في استخدام ”الحبر السري” في المكاتبات والتقارير المهمة والسرية، ولعله يستخدم أسماء حركية لموظفيه (الكاهن، الأخطبوط، القط الشرس،…. إلخ). الحقيقة أن هذا الأسلوب يكشف بشكل واضح عجز الإدارة وعدم قدرتها على القيادة والتأثير، وتتشكل لديها قناعة خاطئة أن تلك الكاميرات ستحل المشاكل وتحقق أهداف الإدارة في ضمان قيام الموظفين بأداء المهام المطلوبة منهم، فاتهم أن تلك الكاميرات فقط ترصد ”تحركات جسدية”، لكنها بالتأكيد لن تعكس مهارات عمل ولن تعطي صورا للإدارة توضح إذا ما كان الموظف يؤدي المهام المطلوبة أو يحقق الأهداف المرجوة من عدمه، هذا بخلاف الشعور السلبي لدى الموظف بأنه موضوع تحت المراقبة، وأنه يخضع لكاميرات تحصي عليه سكناته وحركاته، والأخطر من ذلك شعوره بفقدان الثقة من إدارة تتعامل معه باعتباره ”سجين” عليه أن يتحرك في مساحة محددة في وقت محدد وبطريقة محددة. إذا كانت الإدارة حسنة النية، وتسعى للحفاظ على سير العمل والتحقق من انضباط الموظف وتحقيقه للأهداف المرجوة منه فعليها أن تديره بالأهداف وليس بكاميرات المراقبة، تحاسبه في النهاية على تحقيق النتائج المحددة لمهامه الوظيفية، يتحرك كما يشاء ويعمل بالطريقة التي تلائمه – طالما كانت مشروعة وملائمة لنظام العمل – المهم في النهاية أن يحقق الأهداف التي تم توظيفه من أجلها.. لم تكن ”خالتي قماشة” في حاجة إلى زراعة كاميرات المراقبة.. فقط كانت في حاجة إلأى زراعة ”أهداف”.

قد يعجبك أيضًا
بيزنس على طريقتنا..!!
جواهرنا تتلألأ في الشورى..!
البقرة البنفسجية..!!

أكتب تعليق

تعليقك*

اسمك *
موقعك الإلكتروني

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الادارةالمديرالموارد البشريةالنجاحترويج و اعلانتسويقريادة أعمالعمل المرأة