الرئيسية جديد الموقع مقالات في الادارة

أحسن الله عزاكم وغفر لميتكم..!

أعرف أن للشركات دورة حياة مثلها مثل منتجاتها، المنتج يُولد في السوق طفل صغير إذا حصل على الرعاية الكافية يكبر وينمو ويرتفع الطلب عليه، يَشتدُّ عوده بالتدريج حتى يصل في مرحلة تالية إلى قمة نضجه، إنه سن الشباب والعطاء، ولأنها سنة الحياة وبفعل عوامل تتعلق بالمنافسة والسوق وفقدان القدرة على التجديد يخبو المنتج رويداً رويدا ليحل محله منتجات أخرى لتعيش أيامها الموعودة، يموت المنتج ليحيا غيره. كذلك الشركات تمر بذات الدورة.

لفت إنتباهي دراسة أعدها أستاذ في جامعة يل الأمريكية، الدراسة تتابع أعمار الشركات وتشهد على لحظات موتها، الدراسة لاحظت إنخفاض متوسط أعمار الشركات الأمريكية العملاقة، كان متوسط أعمارها 67 سنة في حقبة العشرينات وتحديداً في عام 1921 لتصل إلى 15 سنة في عام 2017 . ليس هذا فقط لكن الدراسة تتبعت أيضاً أحوال 100 شركة كبيرة في بريطانيا لتكتشف أن 24 شركة مازالت بين الأحياء بينما تم دفن 76 شركة وبدون إجراءات عزاء. أرقام مخيفة لكنها واقعية، المنافسون شرسون والمنافسة مشتعلة والسوق لا يرحم. الدراسة أشارت أيضا إلى مؤشرات خطيرة ومعبرة يمكن تتبعها للتنبئي بقرب موت الشركة عسى تجد من يمنحها قبلة الحياة أو على الأقل يستعد مبكراً لإجراءات الدفن وتنظيم مكان العزاء. من المؤشرات مثلا: الكفاءات تغادر المكان، فيموت المكان ويحيا غيره. جفاف نهر العملاء فلا عملاء جدد يطرقون الباب لمدة 6 شهور كاملة. العملاء الأوفياء والذين يشكل وفائهم سنداً للشركة في أحلك الظروف لم يعودوا أوفياء فيتقلص عددهم وينقص خيرهم. لم تعد الشركة ولاّدة فيمر عاماً كاملاً دون منتج جديد. إنتشار الأمراض النفسية بين منسوبي الشركة، صراعات، نفاق، تجسس، نميمة وغيبة. خدمات ما بعد البيع تعاني من الوهن الشديد، وهذا متوقع إذا كان البيع نفسه يصاب بالشلل. تتكدس المنتجات في المخازن إلى أن تصبح المخازن ذاتها هي الأزمة. الاقتراض يصبح سيد الموقف والإدارة توقع على سندات القروض أكثر مما توقع على قرارات إنتاج وعمل. ينظرون للتسويق باعتباره جزء من المشكلة وليس طريق للحل فيحُدّوا من سلطاته ويُقلصوا نفقاته ويتحول من نمر طليق إلى عصفور حبيس. بالطبع الأفكار الجديدة مرفوضة ومضيعة للوقت، والموارد التي كانت يوما ما وفيرة ومتنوعة تتحول إلى مورد واحد ينضب تماماً مع آخر نفس تتنفسه الشركة. المعلومات غير دقيقة ومتضاربة وفي مرحلة معينة تغيب تماماً لتحل محلها الاشاعات. الادارة الاستبدادية تسود والقرارات المصيرية تتخذ في غرف مغلقة يجلس فيها عدد لا يزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة. مأساة كبيرة تنسج خيوطها يوماً بعد يوم كان ممكناً تجنبها ببعض الحكمة وقليل من التفكير والتدبر وجملة من القرارات الخالية من الأهواء والمغمسة بالموضوعية، لكنها النفس الأمارة بالسوء والدنيا التي لا تدوم على حال، عموما أحسن الله عزاءنا وغفر لميتنا في كل يوم نودع فيه شركة وندسُّ في التراب مؤسسة.

قد يعجبك أيضًا
هوس «الفشخرة..!»
جواسيس في المؤسسة..!
المكونات النفسيّة لقادة الأعمال

أكتب تعليق

تعليقك*

اسمك *
موقعك الإلكتروني

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الادارةالمديرالموارد البشريةالنجاحترويج و اعلانتسويقريادة أعمالعمل المرأة