الرئيسية مقالات في الادارة

مدير يمر في مرحلة المراهقة..!

من منا لا يذكر هذه المرحلة بخيرها وشرها، جميعنا مر بهذه المرحلة الحرجة وعشنا فيها تجارب ومواقف وخبرات لا تنسى، لعلنا نذكر كيف تنامت طاقاتنا الجسدية بشكل واضح وكيف كنا نعشق الحركة والركض بدون هدف وبدون رؤية، ولعلنا نذكر كم المشكلات والمتاعب التي سببناها لآبائنا وأمهاتنا والصراعات والنزاعات التي خضناها ضدهم في سبيل توفير احتياجات وضح لنا لاحقاً كم كانت ساذجة وسخيفة. وكلنا يذكر اندفاعنا في مواقفنا وافتقادنا للتأني والتمهل والعجلة في طلب كل شيء. كنا نعشق التمرد ونرفض النصائح والتوجيهات وكل لحظة نبحث فيها عن مزيد من الحرية ومزيد من الاستقلالية. كان بعضنا يملك آباء وأمهات قادرين على التعامل مع سمات هذه المرحلة فمرت بسلام وبقدر كبير من المنافع بينما عانى البعض الآخر من قلة وعي واهتمام ذويهم فعاشوا مرحلة مليئة بالأخطاء والمواقف الصعبة والخسائر المادية والمعنوية.

في عالم الادارة هناك أيضاً مراهقون، هم في الغالب يجلسون على مقاعد الادارة ويتولون مناصب ادارية لأول مرة وإن كان كثيرون يقبعون في  تلك المرحلة طوال حياتهم الادارية. لا شك أن الجلوس على مقعد الادارة لأول مرة هو تغير كبير في حياة الانسان يشبه كثيراً التغيرات التي تكتنف مرحلة المراهقة، فوضعه يختلف ومسؤولياته تختلف واحتياجاته تختلف وأهدافه أيضاً تختلف. يتحرك المدير المراهق كثيراً ولكنها حركة بلا هدف محدد أو هدف قوي أو هي حركة بلا رؤية، فحالة القلق وعدم الاستقرار النفسي والخوف من الفشل والرغبة في اثبات الذات وفرض شخصيته على الآخرين، كلها أسباب تحرك المدير ولا تجعله يستقر أو يهدأ على مقعده؛ ومشهد المدير الذي يعقد يديه وراء ظهره يتقدم ويعود ويدور في مكتبه هو مظهر معتاد في مكتب مدير مراهق. يسيطر المزاج العصبي على المدير المراهق ويعلو صوته بشكل ملحوظ في مكان العمل ولأسباب لا يستدعي معظمها عصبيته ولكنها أفعال هرمونات جسد في طور جديد. وكما يميل المراهق إلى العزلة والانطوائية كذلك المدير المراهق فبابه مغلق معظم الوقت واتصالاته غالباً في اتجاه واحد من أعلى لأسفل، يتعامل بقدر شديد من الحساسية والحذر وعدم الثقة مع توجيهات ونصائح الآخرين بل يمقت هذه النصائح التي تذكره بنصائح والده في الصغر.
يعشق المدير المراهق الشكليات مثلما يعشق المراهق ارتداء الأزياء العصرية والغريبة وربما ينفق من جيبه الخاص على تزويد مكتبه باكسسوارات وكماليات وألوان تثير الأنظار، يثيره بكل تأكيد مظهر الآخرين ويقيم الاخرين بناءً على نواح شكلية بحتة، فيقرب إليه من يرتدي بأناقة ويتحدث بلباقة. ترتفع درجة المخاطرة عند ذلك المدير  وربما يزج بشركته أو بإدارته في مواقف عصيبة بسبب تهوره وعدم تأنيه في اتخاذ قرارات هي فردية في معظم الأحيان.


يحب المدير المراهق الاجتماعات لأنها تعطيه فرصة لفرض الرأي واثبات الذات والشعور بالأهمية ولذا جدوله مليء بالاجتماعات على الفاضي والمليان..!
غالبية المديرين تقريبا يمرون بهذه المرحلة ومنهم من يمر منها بسلام ومنهم من يمر منها محملاً باحباطات وشعور بالفشل لا يوصف ربما يكون فيه نهايته كمدير. على المدير أن يسيطر على نفسه وعلى شخصيته وجنوحها في هذه المرحلة وأن يتعلم من خبرات وتجارب الآخرين ويسترجع ذكرياته في مرحلة المراهقة خاصة المفاهيم والأفكار الخاطئة التي تبناها وأصر عليها في تلك المرحلة. عليه أن يتواصل مع مديرين سابقين ذوي خبرات وانجازات، عليه أيضاً أن يوسع ثقافته بالاطلاع والقراءة، وعليه أن يدرك أنها مرحلة ستنتهي بخبرات ومعرفة وادراكات تثري حياته الادارية اللاحقة. وعلى المرؤوسين أيضاً أن يتعاملوا معه باعتباره مديرا مراهقا بحاجة لمزيد من الصبر ومزيد من الدعم والمساندة. عليهم أن يتفهموا شخصية وسلوك مدير يمارس الادارة لأول مرة، ومثلما يتعامل الآباء والأمهات الواعون الناضجون مع أبنائهم في مرحلة المراهقة بالصبر والتأني والذكاء في التبرير والاقناع عليهم أيضاً أن يتعاملوا بنفس الكيفية مع مديرهم. الواقع يقول إن المرؤوسين في معظم الاحيان يتعاملون بقدر كبير من الاستخفاف والسخرية والصدام مع شخصية المدير المراهق، يتصيدون اخطاءه، يواجهون عصبيته بعصبية أكبر ويتعاملون مع ثقته المفقودة من الاخرين بقدر أكبر من عدم الثقة في شخصه، يتندرون عليه وينشرون سقطاته على الملأ وبهذا يساهمون في وضع نهاية مأساوية لمدير ما زال في مرحلة المراهقة.

قد يعجبك أيضًا
مشاهد في وفاة مليكنا..!
الجمعة البيضاء..!
الإدارة المدارة..!
2 تعليقان
  • فاطمة
    10/06/2019 الساعة 5:55 م
    رد

    جزاك الله خير يا دكتور

    • صالح الرشيد
      20/06/2019 الساعة 12:37 ص
      رد

      كل الامتنان.

اترك رداً على فاطمة إلغاء الرد

تعليقك*

اسمك *
موقعك الإلكتروني

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الادارةالمديرالموارد البشريةالنجاحترويج و اعلانتسويقريادة أعمالعمل المرأة