الرئيسية مقالات في التسويق

ظاهرة انتشار الغش التجاري والسلع المقلدة: الأسباب، الآثار، المكافحة

لقد شهدت المملكة خلال الفترة الأخيرة تحولات اقتصادية واجتماعية كبيرة، سادت مختلف أوجه الحياة التجارية والصناعية والخدمية والاستهلاكية، واتجه الاقتصاد السعودي لتبني سياسة الاقتصاد الحر، التي تقوم على مبدأ الأسواق المفتوحة، بما أدى إلى تميز السوق السعودي بقدرة استيعابية واستهلاكية كبيرة. أيضا الموقع الاستراتيجي للمملكة أدى إلى جعلها قطبا اقتصاديا هاما يجذب اهتمام المصدرين والمنتجين والمستثمرين من مختلف دول العالم، مما جعل من أسواقها مراكز تجارية متعددة المنافذ سواء البرية أو البحرية أو الجوية، كل ذلك أدى إلى أن أصبحت السوق السعودي سوقا جذابا تتجه إليه أنظار المنتجين والمصدرين، بل أصبح من المتاح ترويج كافة أصناف السلع سواء أكانت ذات جودة عالية أو متدنية الجودة، وسواء أكانت معلومة المصدر أم مجهولة المصدر. من هنا فقد انتشرت داخل السوق السعودي ظاهرة جديدة تعرف بالغش التجاري ورواج سلعا مقلدة مجهولة المصدر.

يعرف الغش التجاري بأنه حدوث نوعا من الغش أو التدليس فى المنتج الذى يقدمه المصدر أو المنتج أو البائع للمستهلك، بحيث يحصل المستهلك على منتج مخالف لما هو يريده فعلا، أو أن المستهلك يحصل على منتج لا يقدم له الخدمة المرجوة منه لحظة الشراء، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، ربما يحصل المستهلك على منتج كان يعتقد أنه منتج ينتمي لماركة أو علامة تجارية شهيرة ذات مواصفات عالمية معروفة، ثم يفاجىء بأن منتجه مجهول المصدر ولا ينتمي لتلك العلامة ولا يقدم خدمة تضاهي خدمة العلامة أو الماركة الأصلية.

ويوجد هناك بعدا آخر للغش التجاري لا يقل أهمية عن بعد الغش التجارى في المعاملات المنظورة، ألا وهو ظاهرة الغش من خلال التجارة الالكترونية، ويعتبر هذا البعد أكثر خطورة ، وبخاصة في ظل تزايد أرقام التجارة الالكترونية داخل السوق السعودي. حيث يؤكد أحد الاقتصاديين على أن حجم جرائم الإانترنت والأساليب القذرة والعمليات المشبوهة وغير المشبوهة في قضايا غسيل الأموال، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي، أصبحت الآن تتراوح بين 590 مليارا و5.1 تريليونات دولار سنويا أي ما يعادل 2% إلى 5% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، موضحا أن مثل هذه العمليات لها مردود سلبي كبير على الاستقرار الاقتصادي والاستثماري، كما أنها تعمل على استنزاف الاقتصاديات الوطنية لصالح الاقتصاديات الخارجية، فضلا عن دورها في إضعاف القوة الشرائية للعملات الوطنية وغيرها.

بصفة عامة، أصبحت ظاهرة الغش التجاري والتقليد في عالم اليوم تثير الكثير من الجدل والنقاش حول مدى ما تسببه من خسائر للاقتصاد الوطني، وما تسببه من أضرار على المستهلك وعلى المجتمع، وبخاصة مع بروز التجارة الالكترونية، فضلا عن أنها باتت تكبد الشركات الوطنية خسائر بالغة.

فبالنسبة لآثار تلك الظاهرة على المستهلك، تؤكد بعض المجلات البريطانية على أن الغش التجاري بدأ يشكل مصدر خطورة على حياة الإنسان وبخاصة عندما بدأ يتحرك ناحية الترويج للعقاقير والأدوية في المجلات الطبية المتخصصة التي تكاد لا تخلو من تضليل أو عدم الدقة العلمية. وخلصت الدراسة التي أجريت على 102 منتج دوائي خضع لحملات ترويج إعلامي مكثفة إلى أن 50% من هذه العقاقير لا علاقة له بالأعراض التي يوصف لها، وأن الحملات كانت تستهدف مجموعة مختلفة من المرضى غير التي من المفترض أن يكون العقار مبتكرا من أجلها. وفى دراسة أخرى تتهم إحدى أكبر شركات إنتاج الأدوية العالمية بتضليل الجمهور والترويج لعلاج أمراض وهمية بغية الربح المادي من وراء إنتاج عقاقير طبية لعلاجها. وكشفت هذه الدراسة عن أن بعض الباحثين وثيقي الصلة بشركات الأدوية يروجون منذ فترة طويلة في مؤتمرات علمية تشرف عليها هذه الشركات لخلل وظيفي يصيب النساء بالعجز الجنسي على الرغم من وصف الخبراء المختصين لمزاعمهم في هذا الصدد بأنها مجرد تضليل وقد تنطوي على قدر لا بأس به من المخاطر.

أما بالنسبة لآثار تلك الظاهرة على الشركات الوطنية، فتشير إحدى الدراسات إلى مدى خطورة هذه الظاهرة من حيث تكبد الشركات الأوروبية خسائر بلغت 3.6 مليارات يورو خلال العامين الماضيين، وذلك نتيجة لوقوعها فريسة لعمليات الغش التجاري والخداع الاقتصادي من خلال عمليات النصب عبر الإنترنت والاحتيال المالي. وقد وقع أكثر من ثلثي الشركات البريطانية و43% من الشركات الأوروبية ضحية لعمليات الغش والاحتيال الاقتصادي خلال السنتين الماضيتين، وهو ما كبّد ميزانيات تلك الشركات خسائر قدرت القيمة المتوسطة لنصيب كل شركة منها بنحو 6.7 ملايين يورو.

لكل ذلك، فقد بدأت تظهر أصوات تنادي بضرورة الإسراع في مكافحة تلك الظاهرة على كل المستويات الرسمية وغير الرسمية. وبالفعل بدأت معظم الحكومات العربية بالسعي حثيثا لمكافحتها، وفى ضوء نتائج العديد من الدراسات والندوات التي انعقدت خلال الفترة الماضية، نقترح لعلاج تلك الظاهرة ما يلي :

1- تفعيل دور جمعيات النفع العام ودعمها ماديا ومعنويا، وعلى وجه الخصوص جمعيات حماية المستهلك لتساهم في كبح جماح هذه الظاهرة كسلطة مشاركة وإعطاء الجمعيات حق التقاضي نيابة عن المستهلك واستخدام نظام الاستدعاء للسلع الغير مطابقة للمواصفات أو المغشوشة والخطرة عن طريق وسائل الإعلام المختلفة.

2- تقييم عملية التنسيق والاتصال وتبادل المعلومات والخبرات بين كافة الجهات المعنية على مستوى الهيئات المحلية، وعلى صعيد مؤسسات دول الجوار، لوضع آليات أكثر فعالية في تنفيذ القوانين الخاصة بالقضاء على هذه الظاهرة.

3- توعية وتعليم المستهلك السعودي بأسس وقواعد ومقاييس الجودة باعتبارها تشكل المدخل السليم لمكافحة الغش التجاري، وبالتالي حمايته مما ينتج عنه من أضرار جمة. ويجب أن يكون واضحاً أن وعي المستهلك لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال توفير المعلومات عن سعر المنتج وكذلك أسعار المنتجات الأخرى التي يمكن أن تكون مكملة له أو تحل مكانه ونوعية وجودة المنتج وشروط التبادل التجاري بما في ذلك تاريخ الاستلام وخدمة ما بعد الشراء.

4- من الضروري على الجهات الحكومية الرسمية القيام بتطوير أنظمة مكافحة الغش التجاري وتنشيط دور جهات الضبط من بلديات وجمارك وإدارات حماية المستهلك والغرف التجارية لنشر الوعي بين منسوبيها من منتجين وتجار. كما يجب على أجهزة الإعلام من صحافة وإذاعة وتليفزيون القيام بدورها في نشر الوعي. كما يجب على المنتجين والوكلاء البحث عن السلع المقلدة لسلعهم، وملاحقة بائعيها ومزوريها والإبلاغ عنهم لاتخاذ الإجراءات النظامية ضدهم، كما أن على المستهلك نفسه مساعدة الأجهزة الرقابية المختصة على كشف وضبط مروجي السلع المقلدة.

5- التوعية بمخاطر الغش والتقليد مع ضرورة أن تحدد التشريعات بدقة أوجه التنسيق بين أجهزة ضبط ومكافحة الغش والتقليد المختلفة ومظاهر التنسيق وآلياته وسد الثغرات التي تسهل عملية الغش والتقليد التجاري في التشريعات المختلفة، والتأكيد على أن تنص هذه التشريعات على الحد الأدنى والأعلى للعقوبة في الغش والتقليد التجاري.

6- ضرورة إيجاد شبكة ونظام معلومات على المستوى العربي في مجال الاختصاص، وإنشاء هيئات للمواصفات والمقاييس ذات شخصية اعتبارية ومستقلة تلبى التغيرات الحالية مع الأخذ في الاعتبار اتفاقيات منظمة التجارة الدولية.

7- تطوير وتعزيز الإدارات المعنية بحماية حقوق الملكية الفكرية وإعداد مشاريع قوانين جديدة لحماية العلامات التجارية وبراءات الاختراع وحق المؤلف والحقوق المجاورة لتكون متوائمة مع الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة وتأهيل قضاة المحاكم للتعامل مع قضايا الملكية الفكرية وتوسيع صلاحياتهم في هذا الجانب.

8- إصدار تشريعات قانونية لمكافحة ظاهرة الغش والتقليد التجاري وتشجيع الصناعة المحلية ورفع جودتها حتى تستطيع منافسة الصناعات المماثلة المستوردة.

9- الرقابة على السلع من خلال المؤسسات المختصة التي تعطيها التشريعات الصلاحيات الكافية لمسايرة التطور الفني السريع في ميادين إنتاج السلع والخدمات وتجهيزها وتسويقها.

10- إعطاء العاملين في مصلحة الجمارك خاصة عند المنافذ الحدودية الجوية والبحرية والبرية مزيدا من الصلاحيات لمكافحة الغش والتقليد التجاري ومنع دخول السلع المقلدة وتفعيل الرقابة عليها. وتنال الجمارك اهتماما كبيرا لحماية المجتمع من عمليات الغش التجاري وتزوير العلامات التجارية وبخاصة بعد دخول الاتحاد الجمركي بين دول الخليج حيز التنفيذ، حيث إنه يجب البحث عن قواعد ونظم معينة تمكن من القبض على السلع المغشوشة أو المنتجات مجهولة المصدر ذات العلامات التجارية المقلدة.

11- أيضا من الضروري جدا الوقوف على أنظمة ثابتة تتضمن تعريفا دقيقا لماهية الغش التجاري والمواصفات القياسية والتزوير وأسلوب استدعاء السلع المغشوشة وذلك بالإضافة إلى طرق وأهداف عملية استدعاء السلع.

12- الرقابة والسيطرة على السلوكيات المخالفة للتجار. هل تستطيع الجهات والسلطات المحلية المختصة السيطرة وفرض الرقابة الصارمة على البضائع من جهة، وتنظيم الأسواق من جهة أخرى لضمان أعلى معدلات الفائدة للمستهلك؟ في الحقيقة لا يزال هذا التساؤل يثير الكثير من الجدل وبخاصة في ظل وجود بعض الثغرات في الأنظمة والقوانين المحلية التي ينفذ من خلالها ذوو السلوكيات المخالفة من التجار لغش المستهلك وخداعه، دون أن تستطيع الجهات المختصة ضبطه أو منعه من تقديم منتجات مغشوشة أو غير مطابقة للمواصفات.

ففي حين يسعى المستهلك دائما للبحث عن المنتجات الصالحة غير المغشوشة وذات الأسعار المخفضة، ربما يستغل التاجر لهفة المستهلك على تخفيضات الأسعار، فيقوم بغش المستهلك وتقديم منتجات غير مطابقة للمواصفات التي يتوقعها المستهلك. هنا تظهر حاجة ملحة لوجود رقابة وأنظمة صارمة تضمن عدم الغش التجاري أو التقليد.

في النهاية، من الواجب الإشارة إلى أن الجهود الحكومية مهما بلغت درجة كفاءتها لن تنجح في القضاء على ظاهرة الغش التجاري والتقليد نهائيا إن لم يصاحبها ارتفاع في درجة وعي المستهلك باعتباره هو الأكثر تأهيلا لمعرفة مصلحته الحقيقية.

قد يعجبك أيضًا
لماذا لا يشتكي العميل..؟!
عزيزي الطالب.. أرجوك لا تغادر الجامعة قبل أن تعيش متعتك المفقودة..!
سابك ونظام الحوافز
4 تعليقات
  • متوكل محمد صالح
    27/02/2018 الساعة 5:24 م
    رد

    تسلم كتيير يا دكتور

  • 30/01/2018 الساعة 10:40 م
    رد

    شكرااااااااااااااااااااااااااااا

  • شرف الحمزي
    23/03/2017 الساعة 9:53 م
    رد

    مقال توضيحي نثقيفي ممتاز كل الشكر للكاتب الرائع

    • صالح الرشيد
      08/05/2017 الساعة 1:01 ص
      رد

      حياك اله.. ممنون

أكتب تعليق

تعليقك*

اسمك *
موقعك الإلكتروني

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الادارةالمديرالموارد البشريةالنجاحترويج و اعلانتسويقريادة أعمالعمل المرأة