الرئيسية مقالات في الادارة

التعثر المالي والمسؤولية المشتركة

الدين هم بالليل ومذلة بالنهار، هكذا وصف الدين في بعض الحكم. في عصرنا الحالي أصبح التعثر المالي سمة مشتركة، ومشكلة تؤرق الأفراد والمؤسسات والدول. في ظل العالم الجديد لم يعد هناك اعتراف بالحدود أو وضع اعتبار للقيود، حيث أصبح التفاعل هو المسيطر على طبيعة العلاقات التي تسود الأفراد والمؤسسات والدول، اتسع نطاق تبادل المنافع وترتب على ذلك نشوء الكثير من الالتزامات بين الأطراف التي تسعى إلى تبادل تلك المنافع. في دنيا الأعمال الجديدة عجلة التبادل لا تتوقف عن الدوران، وفى دورانها تنشأ حقوق لبعض المؤسسات وتتحدد التزامات على البعض الآخر، تستمر العجلة في الدوران طالما أن الحقوق تكتسب والالتزامات توفى، فهذا يعني جدية النشاط وسيره في الاتجاه الصحيح. ولكن قطعاً سوف تتوقف العجلة عن الدوران أو على أقل تقدير لن تدور بسرعتها المعتادة والمطلوبة إذا لم يستطع أصحاب الحقوق تحصيل حقوقهم ولم يستطع أصحاب الالتزامات الوفاء بالتزاماتهم. إذن نحن بصدد الحديث عن مشكلة التعثر المالي، تلك المشكلة التي تواجه الكثير من المؤسسات في العديد من القطاعات . هذه المؤسسات تعاني من خلل في هيكلها المالي والتمويلي، هذا الخلل مرتبط بقصور مواردها وإمكانياتها عن الوفاء بالتزاماتها في الأجل القصير. الواقع يقول: إن كل نتيجة لابد أن يسبقها عدد من المقدمات، فالتعثر المالي لا يحدث فجأة ولكن يتمخض عن مواقف ومراحل متعددة تمر بها المؤسسة حتى تصل في النهاية إلى حالة التعثر. فعادة يبدأ التعثر بحدث رئيسي مؤثر مثل الدخول في استثمارات مالية بطيئة العائد أو الدخول في استثمارات جديدة تستنزف سيولة المؤسسة، بالطبع عندما لا يتم التعامل مع هذا الحدث بشكل جيد أو بمعنى أكثر دقة وبياناً تعجز خبرة القائمين على القطاع المالي ولا تسعفهم معلوماتهم في إدارة مثل هذا الحدث الهام، وفى غياب التخطيط والتنظيم علينا توقع أسوأ الأمور، يبدأ التعثر في الإعلان عن نفسه وتبدأ مرحلة من التخبط وفقدان التوازن، ومن الطبيعي أن يحدث هذا والقائمون على القطاع المالي يتبنون منظور حدوث أفضل سيناريو وليس أسوأ سيناريو. يستمر التعثر ويزداد عندما تلجأ المؤسسة المتعثرة إلى اقتراض المزيد من الأموال لسداد التزاماتها، يزداد السيناريو سوءاً وتدخل المؤسسة في دائرة مخاطر الإفلاس. الحقيقة أن مشكلة التعثر المالي تفرز تأثيرات وخيمة على عدة محاور، فالمؤسسة المدينة تتعرض لمخاطر الإفلاس، والمؤسسة الدائنة تفقد أموالها، والسوق يشوبه مناخ يتسم بعدم الثقة وانخفاض السيولة ومن ثم الركود فالكساد. بالطبع الدولة لن تكون بمعزل عن هذه الأحداث الدامية فهذه التأثيرات الوخيمة ستصب في الاقتصاد، ويدخل المجتمع في حلقة مفرغة من المشكلات. إذا بحثنا في هذه المشكلة بعمق سنجد أن المؤسسة المدينة والمؤسسة الدائنة والدولة جميعهم يتحملون المسؤولية في حدوثها، فالمؤسسة المدينة تتجاهل إشارات الإنذار المبكر التي تشير إلى أن المؤسسة تواجه مشكلات من شأنها أن تؤثر سلباً في قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية، مثل وجود صعوبات في تصريف منتجات المشروع ، انخفاض الأرباح، ظهور التذمر بين العاملين نتيجة التأخير في سداد مستحقاتهم..الخ، في نفس الوقت هناك إشارات للإنذار المبكر تظهر أمام المؤسسة الدائنة، حيث يبدأ العميل في مرحلة من عدم الانضباط في سداد التزاماته المالية، وتواتر الأنباء عن وجود مشكلات مالية تواجه المؤسسة المدينة. وبالطبع فإن الدولة بدورها سوف تظهر لها إشارات الإنذار المبكر، مثل حدوث تراجع في نشاط السوق، كثرة النزاعات والمطالبات القضائية بين المؤسسات، حالة من التخبط والفوضى تسود السوق..الخ

إن إدراك إشارات الإنذار المبكر من قبل المؤسسة المدينة والمؤسسة الدائنة والدولة ومن ثم التعامل معها بجدية وخطط مدروسة من شأنه أن يقف بالمشكلة في حدود المشكلة فقط دون أن تتطور وتدخل في طور الأزمات والكوارث. يجب أن ندرك جميعاً أن مشكلة التعثر المالي هي من أخطر المشكلات التي يمكن أن تواجه الاقتصاد الوطني وتزعزع استقراره وتحول دون نموه وتطوره، يجب أن ندرك جميعاً أن السوق عندما يسوده الارتياب وعدم الثقة لن يصبح بمقدورنا أن نسير بخطوات ثابتة نحو مرحلة جديدة من الرواج الاقتصادي، سنفرغ كامل طاقاتنا في علاج المشكلات بدلاً من أن نركز طاقاتنا في الوصول إلى نقطة أبعد من النقطة التي وصلنا إليها.

قد يعجبك أيضًا
العزاب والمتزوجون وأحوالهم في العمل..!
مرافقة مريض..!
الأوقات القاتلة

أكتب تعليق

تعليقك*

اسمك *
موقعك الإلكتروني

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الادارةالمديرالموارد البشريةالنجاحترويج و اعلانتسويقريادة أعمالعمل المرأة