الرئيسية مقالات في الادارة مقالات في تطوير الذات

ما بعد التقاعد..!

أشارت الأبحاث والدراسات النفسية إلى أن الإنسان عندما يتوقف عن العمل تتوقف معه طاقات كبيرة جسدية ونفسية وذهنية ومن ثم لا تجد تلك الطاقات مخرجاً لها وهو ما يؤدي بشكل مباشر وسريع إلى حدوث اضطرابات نفسية وذهنية غالباً ستكون هي بداية رحلة التدهور السريع في صحته الجسدية والنفسية. هذا حدث بالفعل وبالتأكيد مازال يحدث مع كثيرين حبسوا طاقاتهم بأيديهم، وفي لحظة تخلي الآخرين عنهم ولم يقدموا لهم الدعم المطلوب والتحفيز الملائم قرروا وبمحض إراداتهم  الاستعداد للنهاية حتى ولو كانت هذه النهاية ستأتي بعد عمر طويل آخر. الحياة تبدأ بعد التقاعد، هذه حقيقة أدركها آخرون ظنوا قبلها أن حياتهم قد أوشكت على النهاية وأن المجتمع لا ينتظر منهم أكثر مما قدموه قبل بلوغ سن التقاعد بل أن أقرب الناس إليهم لم يعودوا بحاجة لهم إلا في دعوات ممزوجة ببركاتهم وفي تقبل لواقع جديد يحتم عليهم عدم التدخل برأي أو مشورة هي في الغالب لم تعد متوافقة مع معطيات عصر مختلف..لم يستسلموا لهذه التصورات ورفضوا أن يكونوا عالة على أنفسهم وعلى ذويهم وعلى مجتمع لا يعترف إلا بمن يملكون عوامل القوة والسرعة والقدرة على مواجهة الضغوط والتعامل مع الصراعات وهي أشياء بالطبع لم تعد في حوزتهم. تخلص هؤلاء من الدافع الأول للانعزال والتقوقع وطلب مساعدة الآخرين كان هو الخطوة الأولى نحو بداية حياة جديدة. وكانت الخطوة الثانية إدراك أنهم يملكون – بلغة التسويق- مزايا تنافسية مؤثرة للغاية تتمثل في خبرات فنية وشخصية متراكمة وقدرة فائقة على التفكير المتوازن الهادئ الخالي من الضغوط أو الخوف من خسائر مادية ومعنوية، حقيقة لم يعد لديهم بعد هذه الرحلة شيئاً يخسرونه ولكن لديهم أشياء كثيرة يمكن أن يكسبوها.  ومن ثم كانت الخطوة الثالثة هي التفكير والتخطيط لأنشطة جديدة تثري حياتهم وتضخ فيها دماء جديدة..منهم من استثمر خبراته الثرية السابقة في عمل مشروع خاص ( تعليمي، صحي، مهني،…الخ) وبالطبع كانت قاعدة العلاقات الضخمة التي بناها هؤلاء على مدار أعوام طويلة من العمل والعطاء داعم كبير في  تأسيس مشروعاتهم. ومنهم من اتجه للعمل التطوعي وفي هذا نستحضر تجربة يابانيين متقاعدين قرروا أن يشكلوا جمعية تساعد تلاميذ المدارس على عبور الشوارع!! وهناك من قرر أن يرتدي ثوب المعلم ويمسك بقلمه وكتابه ليعلم آخرين لم يحظوا بفرص التعليم. وآخرون قرروا تقديم الدعم لجمعيات خيرية بالعمل معهم كدعاة للخير يستثمرون هيبتهم ووقارهم وقدرتهم على الحوار في إقناع الناس بالتبرع والصدقات والتفاعل الايجابي مع أي نشاط يخدم الناس والمجتمع. شريحة أخرى ممن قرروا أن يبدؤوا حياتهم بعد التقاعد توجهوا بشغف كبير نحو ممارسة هوايات سكنت قلوبهم ومنعتهم ظروف حياتهم المهنية والعملية الطويلة من الاستمتاع بممارستها فأضفت الهواية على حياتهم متعة ربما لم يتحصلوا عليها طوال حياتهم قبل التقاعد. آخرون قرروا أن يبدؤوا حياة جديدة مع خالقهم..نعم مع خالقهم..بمزيد من الطاعة والعبادة والقرب واكتشاف حقائق روحانية طمستها مادية الحياة التي عاشوها في السابق، يصلون كما لم يصلوا من قبل، يقيمون الليل كما لم يقيموه من قبل، يقرؤون القرآن كما لم يقرؤوه من قبل، يسافرون ويرتحلون وترتحل معهم قلوبهم وعقولهم في أمهات الكتاب وفي قصص الأنبياء والصالحين، تتغذى أرواحهم وقلوبهم وعقولهم فتشتد وتعد قوية فتية كما لم تكن من قبل يغلفها أمل كبير في مزيد من العمر ومزيد من الاستمتاع. يتبقى إلى أن نشير إلى أننا يجب أن نكون أكثر إدراكا لواقع من تقاعدوا بعد رحلة حافلة بإعطاء علينا أن نغير اتجاهاتنا نحوهم ونكف على التعامل معهم بشفقة او ضيق ناتج عن مكوثهم معنا مزيد من الوقت أو ربما تدخلهم في شئوننا أو كثرة احتياجاتهم الصحية والنفسية،هؤلاء الذين نشفق عليهم ربما تكون نهايتنا قبل نهايتهم!! وربما نكون نحن عبئاً على من حولنا ومصدر متاعب لهم..علينا أن نخفزهم نزرع الأمل في نفوسهم، علينا ايضاً أن نستفيد من خبراتهم والأكثر من ذلك ربما يكون هؤلاء سبب نجاتنا من الهلاك ليس بدعواتهم وبركاتهم والتي لا نطلب منهم سواها ولكن بقدرتهم الفائقة على إصابتنا بعدوى الهدوء والسكينة والتوقف عن التشاحن والتصارع وتذكر أن دوام الحال من المحال.

قد يعجبك أيضًا
التجارة على الطريقة القصيمية..!
الله يسامحك ياسمو الأمير هذا ليس خطاب هذي صواريخ أرض جو..!
صوتهم.. فرصة وليس تهديداً..!

أكتب تعليق

تعليقك*

اسمك *
موقعك الإلكتروني

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الادارةالمديرالموارد البشريةالنجاحترويج و اعلانتسويقريادة أعمالعمل المرأة