الرئيسية مقالات عامة

فقط.. لمن يهمه أمر شبابنا..!!

“فئة الشباب المترف.. إنها فئة الشباب التي ربيت على التراخي في الضبط والمحاسبة وإغداق الأعطيات المادية مع تدني درجة الرعاية النفسية بشكل ملفت، هي لم تتعلم معنى الجهد ولم تتكون لديها الحاجة لبناء هوية نجاح مهني مستقبلي؛ تعيش من خلال الترف في بحث دائم عن الملذات الآنية والاستهلاك المفرط. إنها الفئة التي تعيش في الفراغ الوجودي العاطفي الذي تملؤه بالاستهلاك والاستعراض والبحث عن المتع الآنية، في حالة من عدم تمثل مفهوم الالتزام والقانون والمسؤولية. ذلك أن الأهل الذين هم عموماً من حلت عليهم النعمة مع الطفرة النفطية والذين كان لهم نصيب وافر من الغنيمة، يتخلون عموماً عن مسؤولية رعاية الأبناء، ويتركونهم للخدم والمربيات، كما يعوضون عن قصور الرعاية والرقابة والعلاقة العاطفية الوثيقة بالرشوة المادية والمالية، وهكذا يجد الأبناء أنفسهم أمام فراغ عاطفي مع إمكانيات استهلاك كبيرة وهو ما يضعهم مباشرة في مختلف وضعيات الخطر الخلقي.. هي الفئة الأكثر اقبالاً على مغريات العولمة المعروفة واستهلاكاً لها: صراعات الموضة والموسيقي، سباقات السيارات الخطرة، ثقافة المولات، تمثل سلوكياتها الرقم الأسود الذي لا يدرج في الإحصائيات الرسمية مع أنها مثار شكوى عامة”.

الفقرة السابقة منقولة عن كتاب (الشباب الخليجي والمستقبل: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية) للمفكر اللبناني د. مصطفى حجازي الذي عاش في الخليج وبحث ودرس وكان احد إبداعاته هذا الكتاب. تناول الرجل بالدراسة والتحليل عوامل متعددة تشكل شخصية الشباب الخليجي، وقطعاً أبحر هذا الرجل في محيط التعليم وأنظمته وقدم لنا نحن الأكاديميين توضيحاً دقيقاً لمعاناة نعيشها يومياً مع طلابنا في قاعات الدراسة، حيث نكتوي في كل لحظة بنار اهمالهم وفقدانهم للحماس والدافعية في التحصيل الدراسي، بحث الرجل وكتب يعبر عن موقفهم ووجهة نظرهم في التعليم «الشهادة التي لم تعد تطعم خبزاً أو تكفل مكانة أو توفر فرص حياة زوجية واجتماعية مقارنة بإغراءات أسواق المال والأعمال المتزايدة.. أما البنات فهن أكثر دافعية وتفوقاً بسبب رغبتهن في عمل نقلة في حياتهن والحصول على قدر من الحرية والمكانة».  وأشار د. حجازي إلى أن الشباب لم ير جديدا في  الجامعة، فتعمقت خيبة أمله، فهو من مقعد التلميذ إلى مقعد الطالب ولا أوجه اختلاف واضحة بين الوضعين، تلقين وتعليمات وقيود ولا مجال للإبداع والمبادرات ولا فرص متاحة لممارسة أنشطة فاعلة تشكل شخصية وفكر الطلاب. ليس هذا فقط بل أشار الكتاب إلى أنظمة التلقين والاختبارات الموضوعية السائدة في المدارس والجامعات الخليجية، والتي تجعل الطلاب عاجزين عن الكتابة وإعداد التقارير والرسائل وتصنع منهم «أتباع معلومات وليس أصحاب فكر ومنتجي معرفة»، ويضغط الرجل على الجرح ويشير إلى انقلاب هرم الأولويات في الإنفاق في المؤسسات الأكاديمية، حيث الإنفاق السخي على التجهيزات المادية والأثاث والتقتير في الإنفاق على البحث وتوفير وسائل المعرفة وأدواتها بخلاف تحكم الإداريين في الأكاديميين بدلاً من أن يكونوا في خدمتهم على حد قوله.
توجه الرجل ببحثه وفكره إلى سوق العمل فميز بين شباب «النخبة» والشباب «المترف» الذين يجدون فرصا مميزة للعمل وبين فئة الشباب «المكافح» الذي يواجه صعوبات جمة في الحصول على فرص عمل ملائمة. وتناول تفشي ثقافة الرغبة في العمل الحكومي، وأوضح كذلك ظاهرة تأثير مجتمع البورصة وسوق المال وخبراء المال (المخادعين) الذين ينشرون جميعاً ثقافة الربح السريع على قناعات الشباب الذي تحول للبحث عن مكاسب سريعة ولم يعد يؤمن بقيم العمل والإنتاج. لم يتحدث الرجل عن الماضي فقط ولم يوصف ويحلل فقط المشكلات ولكن قدم الحلول وأبرز فيها كيفية بناء جدارات لدى الشباب (جسدية، نفسية، مهنية،…الخ)، وأبرز كيفية بناء هوية واضحة لديهم. ما ذكرته في هذا المقال هو قليل من كثير في فيض هذه الدراسة الرائعة، والكتاب متاح على مواقع الانترنت لمن يريد أن يعرف ويستفيد ويعمق نظرته تجاه فئة هي الحلم وهي الحاضر وهي المستقبل. إذا كنا بالفعل نرى أن مستقبلنا يشكله شبابنا ونؤمن بان قوتنا في شبابنا وضعفنا بالتأكيد بهم ومنهم، فعلينا أن نديرهم بمنهج مختلف وفكر متميز وندير منظومة متكاملة تبنيهم وتشكلهم من جديد بما يتوافق مع طموحات وطن عظيم يستحق منهم ومنا الكثير والكثير.

قد يعجبك أيضًا
المارد الصيني القادم ..!
إدارة بلا أوراق
أرجوك سامحني..!

أكتب تعليق

تعليقك*

اسمك *
موقعك الإلكتروني

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الادارةالمديرالموارد البشريةالنجاحترويج و اعلانتسويقريادة أعمالعمل المرأة