الرئيسية مقالات في الادارة

تذكروا أنّهم بشر..!

تقول القصّة اللاذعة والطريفة في ذات الوقت: إنّ أحد الأشخاص دخل إلى عيادة الطبيب البيطري، ودار بينه وبين الطبيب هذا الحوار:

الرجل: أنا مريض يا دكتور أرجو أنْ أجد لديك العلاج المناسب.

الطبيب البيطري: بالتأكيد أنت مخطئ فهذه عيادة طب بيطري، وأنا متخصص في علاج الحيوانات.

الرجل: أعرف أنّك طبيب بيطري، ومن ثم جئت لك عن قصد، فأنا بحاجة إليك.

الطبيب البيطري: كيف تكون بحاجة إلى مساعدتي، وأنا أراك إنساناً أمامي!!

الرجل: نعم أنا إنسان مثلك، ولكني أعاني من مشكلة أرى أنّ حلّها عندك، مشكلتي أنّني أستيقظ في الصباح مثل الحصان، وأذهب إلى عملي بسرعة مثل الغزال، وأعمل طوال اليوم مثل الحمار، وأقف أمام مديري مثل الكلب، وأعود إلى منزلي لألاعب أطفالي مثل القرد، وفي نهاية المطاف أقف أمام زوجتي مثل الأرنب.

الطبيب البيطري: هل أنت تعمل في شركة (من فضلك ضع اسم الشركة التي ترى أنّه ينطبق عيها الوصف)

الرجل: نعم

الطبيب البيطري: أهاه .. تعال اذاً، علاجك عندي، ولن تجد أفضل مني كي يعالجك.

بالطبع القصة من وحي الخيال، وبالتأكيد فإنّ الإنسان مهما حدث معه فقد كرّمه الله أحسن تكريم، وميّزه عن غيره من المخلوقات. ولكن بالتأكيد فإنّ القصة قد تصف حال الكثيرين من الموظّفين والعاملين في كثير من المؤسسات، والذين يعانون الإجهاد والضغوط النفسية والبدنية في العمل، وتعبّر عن تأثير تلك الضغوط عليهم داخل وخارج العمل. هناك دراسات تشير إلى أنّ نحو 80% من الموظّفين يعانون من ضغوط وإجهاد في العمل، وأنّ 75% من الموظّفين الآن يرون أنّهم يعانون من الإجهاد الوظيفي أضعاف ما كان يعاني منه الموظّفون في الجيل السابق. وأنّ هناك 14% من الموظّفين يعانون من ضغوط شديدة في العمل لدرجة أنّهم أوشكوا على ضرب زملائهم في العمل. وأنّ هناك 25% من الموظّفين لديهم رغبة في الصراخ أو الصياح بسبب شدة الضغوط والتعرض للإجهاد الوظيفي. وهناك 62% من الموظّفين يعانون من أمراض عضوية نتيجة لتعرضهم لكم كبير من الضغوط والإجهاد في العمل. وهناك واحد من كلّ خمسة أشخاص يستقيلون من العمل بسبب التعرض للإجهاد. الأخطر من ذلك أنّ هناك دراسات أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية أثبتت أنّ جرائم القتل تحتل المرتبة الثانية في أماكن العمل بعد الوفيات بسبب الضغوط المتزايدة. وأشارت منظمة العمل الدوليّة إلى أنّ الإجهاد في العمل أصبح هو مرض العصر، واعتبرته وباءً ينتشر بسرعة كبيرة في أنحاء العالم.

الموظّفون أو العاملون في المؤسسات ليسوا هم وحدهم من يقعون ضحايا للإجهاد بل كثير من المؤسسات أفلست بسبب المشكلات الناتجة عن زيادة حدّة الضغوط والإجهاد في العمل. بالطبع فإنّ الأمر جد خطير ويفرز تأثيرات وخيمة على أداء الأفراد والمؤسسات وعلى علاقات العمل، وأيضاً على التعاملات بين الأفراد في المجتمع. المشكلة أنّ الإدارة في الكثير من الشركات والمؤسسات تبحث عن تحقيق المكاسب وتعتقد خطأً أنّ المكاسب تتحقق عندما يعمل الجميع في ظل ضغوط مستمرة، إنّهم يتعاملون مع الموظّفين والعمّال باعتبارهم آلات صماء وظيفتها أنْ تعمل بدون توقف، والنتيجة مشكلات في العمل لا حصر لها، وبدلاً من أنْ تحقق الشركة النجاح تلو النجاح نجدها تغرق في كم من المشكلات بين الإدارة والموظّفين من ناحية، وبين الموظّفين بعضهم البعض من ناحية، وبين المؤسسة وعملائها من ناحية أخرى. من حق الموظّف، ومن حق المدير أيضاً أنْ يتنفس الصعداء، من حقه أنْ يستريح حتى يستطيع مواصلة العمل بكل جد ونشاط، من حقه أنْ يستثمر طاقاته بدلاً من أنْ يستنزفها، ومن حق العميل أن يتعامل مع موظّف يشعر بالارتياح ولديه الرغبة والقدرة في مساعدته وخدمته بطريقة مميزة، ومن حق الأسرة أنْ يرجع إليها عائلها كلّ يوم وهو في حالة نفسية جيدة تمكّنه من الجلوس مع أولاده، والتسامر معهم، ومساعدتهم على حل مشكلاتهم. ومن حق المجتمع أيضاً أنْ يحتفظ بأعظم موارده وهو الإنسان في حالة من النشاط المتجدد والرغبة المستمرة في العطاء دون ضغوط.

إلى كلّ أصحاب ومديري الشركات والمؤسسات:  لا تبخسوا حقوق موظّفيكم في الحصول على إجازة دوريّة، نظّموا لهم رحلات قصيرة، امنحوهم فرصة لالتقاط الأنفاس، أتيحوا لهم الفرصة للتغيير، امنحوهم قدر أكبر من الحرية في التصرف، أتيحوا لهم الفرصة للتعبير عن شكواهم ومقترحاتهم، ساعدوهم وحفّزوهم على العمل بروح الفريق، ساعدوهم على الاستمتاع بالعمل. وتذكروا دائماً أنّهم بشر.

قد يعجبك أيضًا
التعلم بهدف التفوق
إسأل وارين بافيت ولا تسأل طبيب..!
لماذا يسيطر الهنود على إدارة الشركات العملاقة في العالم؟

أكتب تعليق

تعليقك*

اسمك *
موقعك الإلكتروني

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الادارةالمديرالموارد البشريةالنجاحترويج و اعلانتسويقريادة أعمالعمل المرأة