الرئيسية مقالات في الادارة مقالات في تطوير الذات

المرض الخفي

الضغوط هي المرض الخفي الذي لا يشعر به الإنسان عندما يفتك به ويجبره على رفع راية الاستسلام. والضغوط هي الحالة التي تصيب الإنسان بالقلق والتوتر وتخلق شعور لديه بعدم السعادة بسبب عدم قدرته أو خوفه من عدم قدرته على تحقيق شيئاً ما. ومن خلال هذا التعريف يتضح لنا انه لا مفر من الضغوط، وأن كل إنسان يعاني من الضغوط في كل زمان ومكان مصداقاً لقول المولى عز وجل ” وخلقنا الإنسان في كبد ” ولكن المشكلة تحدث عندما تزيد الضغوط عن معدلها الطبيعي وتصيب الإنسان بأمراض نفسية وجسدية متعددة. فالضغوط من الممكن أن تكون مصدراً للتفوق والتميز وصناعة الانجازات، ومن الممكن أن تكون أيضاً مصدراً للإخفاق والتراجع والخروج من حلبة السباق والمنافسة وبل والخروج من الدنيا بأكملها. وبتأمل سير الناجحين في هذا العالم في مختلف المجالات، سياسياً واقتصادياً وعلمياً ورياضياً، سنجد أنهم تعرضوا لضغوط لا حصر لها ولكنهم استطاعوا أن يروضوا هذه الضغوط ويجعلوا منها نقطة الانطلاق نحو التفوق والتميز، وفي ذات الوقت إذا تأملنا حال الذين يقبعون في المستشفيات والمصحات النفسية أو يجلسون في منازلهم غير قادرين على العمل ومواصلة رحلة الحياة، سنجد أنهم استسلموا للضغوط وتركوا لها أنفسهم وأجسادهم تفعل بها ما تشاء. ولعل الضغوط التي يقابلها الإنسان في عمله هي أكثر أنواع الضغوط تأثيراً في حياته على اعتبار الوقت الذي يقضيه الإنسان في العمل وكذلك عدم قدرته على التحكم في كثير من المتغيرات والظروف التي تسبب تلك الضغوط. فالإنسان في عمله يتعامل مع زملاء ومديرين، يتعامل مع عملاء وموردين، يتعامل مع أنظمة وقوانين، ويتعامل مع مهام يجب انجازها في ظل إمكانيات محدودة أو ظروف غير ملائمة، ومن ثم عندما يفشل الإنسان في التعامل مع الضغوط التي تحاصره من كل اتجاه يصاب بالتوتر والقلق المستمر الذي يؤثر على حالته النفسية بشكل سلبي وبما ينعكس على صحته الجسدية فيصاب باضطرابات في دقات القلب وسرعة في التنفس وزيادة في إفراز العرق…الخ. الحقيقة أن الإنسان عندما تعتريه هذه الحالة يفقد القدرة على التركيز ويقع في أخطاء متتالية ويصبح غير قادر على استيعاب أو قبول التوجيهات من الآخر، والأكثر من ذلك أنه يصاب بحالة من التشاؤم التي تفقده الحماس والرغبة في العمل وتجبره على الدخول في مرحلة العد التنازلي التي تنتهي بالانفجار فيمن حوله أو ترك العمل أو الوقوع فريسة لأمراض مزمنة تغير وجهته كل صباح من الذهاب لعمله إلى التردد على الأطباء طلباً للعلاج. الحقيقة أن التأثيرات الخطيرة للضغوط تمتد من الأفراد للمؤسسات وتظهر في صور مختلفة مثل تدني معدلات الأداء وكثرة غياب العاملين وانتشار الفوضى والعشوائية في العمل وعدم إشباع احتياجات العملاء ومن ثم تهديد مكانة المؤسسة وسمعتها في السوق. وقد توصلت إحدى الدراسات العلمية إلى أن تكلفة الضغوط في القطاع الصناعي بالولايات المتحدة الأمريكية تصل إلى نحو 150 بليون دولار في العام. وأثبتت دراسة أخرى في المملكة المتحدة أن 60% من حالات الغياب للعاملين في المؤسسات المختلفة تعود إلى المعاناة من الضغوط. وتؤثر الضغوط أيضاً على الحياة الأسرية، فالإنسان عادة ما يحمل ضغوط العمل معه إلى المنزل، وهناك ينفث همومه من خلال الشجار والنزاع المستمر مع أفراد أسرته ويخلق حالة يتمنى معها أفراد البيت أن يغادرهم هذا الرجل، ويظل في عمله دون رجعة. ويتواصل تأثير الضغوط من الفرد إلى  المؤسسة إلى الأسرة إلى المجتمع والذي يتحمل تكاليف باهظة في تقديم الرعاية الصحية للمصابين بأمراض ناتجة عن الضغوط وكذلك المتقاعدين عن العمل والمصابين بعجز بسبب إصابات العمل الناتجة عن الضغوط. التعامل الايجابي للأفراد مع الضغوط الزائدة عن الحد يتطلب منهم في البداية إدراك خطورتها وتأثيراتها المباشرة على حياتهم المهنية والاجتماعية، وبعد ذلك يبدأ في تنظيم حياته الوظيفية، يحدد المهام المطلوب أن يؤديها ويرتبها حسب أهميتها وحسب التوقيت المطلوب لانجازها، ومن ثم يقوم بتنظيم وقته بين تلك المهام. يجب أن يكون لديه سجل للضغوط يحدد فيه الأوقات التي تزداد فيها الضغوط والمهام التي ينتج عنها ضغوط وما يجب أنت يفعله حتى يتفادى هذه الضغوط. يجب أن يتخلص من الأوراق والملفات التي استنفذ الغرض منها أو على الأقل يجعلها بعيداً عن مكتبه. يجب أن يحرص على الاسترخاء في فترات قليلة أثناء العمل، يتخلص من رابطة العنق أو يفك أزرار ثوبه أو قميصه عند الرقبة ويمارس تمرينات خفيفة للتدليك على رقبته ورأسه ويغمض عينيه لدقائق ولا يفكر في شيء. يجب أن يدير اتصالاته بشكل جيد في مكان العمل ويحرص على استبعاد عوامل سوء التفاهم مع زملائه أو عملائه، وأن يعرف بالضبط المعلومات التي يجب أن يرسلها ويستقبلها في مكان عمله، وان يتجنب الجدل والنقاشات غير المفيدة. وأن ينسى كل شيء عندما يخرج من باب مؤسسته متجهاً إلى منزله. أيضاً على المؤسسات أن تمارس دوراً حيوياً في مجال إدارة الضغوط التي يتعرض إليها العاملون فيها، يجب أن تكون هناك متابعة مستمرة لمعدلات الغياب أو طلب الأجازات المرضية وذلك لاستكشاف المرض قبل تفاقمه. يجب أن تخلق المؤسسة للعاملين فيها بيئة مادية صحية من حيث الإضاءة الكافية والتهوية الملائمة والمساحات الخالية في مكان العمل. يجب أن تدرب مديريها وموظفيها على كيفية إدارة الضغوط، يجب أن يكون هناك نظام واضح في العمل يحدد المهام والمسؤوليات، فالعشوائية هي المصدر الأساسي للضغوط في مكان العمل، يجب أن تنظم المؤسسة رحلات ترفيهية للعاملين لتخفيف حدة الضغوط وتجديد النشاط، يجب أن يتخلص المديرون من سياسة الضغط المستمر على الموظفين ويضع اعتباراً للمهام التي يطلبها منهم وللوقت المحدد لانجاز المهام. يجب أن تتبع الإدارة سياسة الباب المفتوح وتمنح الموظفين الفرصة للتعبير عن مشكلاتهم وشكواهم ومتطلباتهم. يجب أن يكون هناك مقابل مادي لساعات العمل الإضافية ويجب أن تكون هناك مكافئات لتحقيق الانجازات غير الإضافية، يجب أن تكون هناك آلية لتقليل حدة الصراعات في العمل وتفادي نقاط التصادم بين الموظفين وبعضهم البعض من جهة وبين الموظفين والمديرين من جهة أخرى. أخيراً يجب أن ندرك جميعاً أن الضغوط ربما تشكل واحدة من أهم المشكلات المسببة لتدني الأداء والإنتاجية والجودة في مؤسساتنا العربية، وأن مواجهة هذا المرض أصبح ضرورة حتمية حتى لا يتحول إلى وباء يعصف بمواردنا البشرية والمادية

قد يعجبك أيضًا
الإيميلات المحظورة في ألمانيا!!
جامعاتنا ليست حلم المتفوقين..!
خطط التغيير ….لماذا تفشل في مؤسساتنا؟

أكتب تعليق

تعليقك*

اسمك *
موقعك الإلكتروني

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الادارةالمديرالموارد البشريةالنجاحترويج و اعلانتسويقريادة أعمالعمل المرأة