الرئيسية مقالات عامة

الحلاق وسعودة عنترة بن شداد

حكى لي أحد الإخوة قصة شاب سعودي أسس محل للحلاقة، وطلب من الجهة المعنية الحصول على تأشيرة لاستقدام حلاق ليعمل في المحل، قوبل طلبه بالرفض، وطلب منه البحث عن حلاق سعودي خلال ستة أشهر، وعندما لا يستطيع الوصول إلى ذلك تستخرج له تأشيرة لاستقدام حلاق من الخارج. هذه هي السعودة في أقوى صورها؛ فما كان من ذلك الشاب إلا أنْ أغلق المحل، ووضع لوحة كُتِبَ “عليها المحل للتقبيل”. ما يتعرض له صاحب محل الحلاقة تتعرض له مؤسسات وشركات كثيرة في المملكة، فالحصول على تأشيرة الآن لم يعد أمراً سهل المنال، ومن ثَمّ فإنّ الكثير من المؤسسات تعاني من تعطل خططها وأعمالها بسبب التشدد في منح التأشيرات. هل هذه هي السعودة التي نقصدها؟ أشك في ذلك، فالسعودة من المفترض أنْ تبني ولا تهدم، والسعودة من المفترض أنْ تفتح الطريق لتحقيق إنجازات اقتصادية واجتماعية؟، وليست أنْ تكون عائقاً نحو تطور العمل في المجتمع. نحن مع إتاحة المزيد من الفرص لأبنائنا كي يحصلوا على فرص العمل التي تكفل لهم حياة كريمة، ولكنّنا ضد أنْ تتعطل مصالح المجتمع، ويدفع أصحاب المؤسسات والشركات الثمن فادحاً لسياسات تفتقر للرؤية الواضحة، والإستراتيجية العلمية السليمة للإحلال والإبدال. يبدو أنّ السعودة الآن تسير بلا بصيرة، سعودة عمياء تضر المجتمع أكثر مما تفيده. هي باختصار سعودة بلا رؤية. يقول جون كوتر وهو أحد علماء الإدارة المشهورين: ” إذا لم تكن هناك رؤية مناسبة فإنّ الجهود التي تبذلها للتغيير يمكن أنْ تتحول بسرعة إلى مجموعة من المشاريع غير المتوائمة والتي تستنفد الوقت، مما يجعل الجهود تسير في الاتجاه الخاطئ أو دون اتجاه محدد على الإطلاق “، وهناك من يرى أنّ الأسوأ من عدم وجود الرؤية الواضحة هو وضع مجموعة من الشعارات البرّاقة، والاعتقاد أنّ هذه الشعارات هي الرؤية بعينها. كان يجب أنْ تكون هناك رؤية واضحة في تطبيق مفهوم السعودة، هذه الرؤية تركز في المقام الأول على إحداث التغيير بالتدريج، وبمستوى مرتفع من المرونة يسمح بتقليل الخسائر إلى أدنى حد ممكن، كان من المفترض أنْ نركز في البداية على تدريب وتأهيل مواردنا البشرية لتولي مسؤوليات العمل، قبل أنْ نركز على اتخاذ قرارات عنتريّة تظهر المسئولين في صورة الأبطال المغاوير العاشقين لفعل كلّ ما هو غير مألوف، كنّا نتمنّى أنْ ترتكز قرارات السعودة على دراسات جادة ومستفيضة لاحتياجات ومتطلبات العمل في المؤسسات، والقدرات، والمهارات المتوافّرة في سوق العمل، كنّا نتمنّى أن تشترك شركاتنا ومؤسساتنا في عملية التغيير حتى يعبّر التغيير عن رؤية مجتمع، وليس رؤية أفراد بعينهم. كنّا نتمنّى أنْ تطبّق الجهات المعنية منهجاً علمياً في إحداث التغيير، ونتخلى عن منهج التجربة والخطأ في العمل، حيث نتخذ قرارات ثم نتراجع عنها عندما نكتشف أنّها تأتي بنتائج عكسية لنستنفد وقتنا ومجهودنا بشكل مثير للاستفزاز.

نتمنّى أنْ يتخلى عنترة بن شداد عن سيفه البتار، ويعطي نفسه مساحة للتفكير، والتدبير برويّة، فالمعركة ليست معركة تراق فيها الدماء، بل هي معركة للبناء.

قد يعجبك أيضًا
المؤسسة الرشيقة..!!
إدارة خالتي قماشة…!
هونها وتهوووووون

أكتب تعليق

تعليقك*

اسمك *
موقعك الإلكتروني

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الادارةالمديرالموارد البشريةالنجاحترويج و اعلانتسويقريادة أعمالعمل المرأة