الرئيسية مقالات في الادارة

الحفاظ على الموظفين .. صناعة تفتقدها مؤسساتنا

تشير الدراسات إلى أنّ 80% من الموظّفين في الشركات في منطقة الشرق الأوسط يفتقدون الولاء والإخلاص للشركات التي يعملون بها، ويرى خبراء الإدارة أنّ الحفاظ على بقاء الموظّفين يعدّ من التحديات الكبرى التي تواجه الشركات في العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط. أرى أنّ المقصود هنا هم الموظّفون الأكفاء، فالأكفاء هم أصحاب البدائل والطموحات والذين يرون أنّ الأفضل لم يأتِ بعدُ ، لأنّ ذوي الأداء العادي ومن يشكلون عبئاً على الشركات ويحصلون منها على أكثر مما يقدمون هؤلاء العاديون يتمسكون بوظائفهم حتى الرمق الأخير رافعين شعارات ” ليس في الإمكان أفضل مما كان ” و ” من خرج من داره قلّ مقداره ” وهؤلاء بالتأكيد لا يوجد مبرر للقلق بشأن ولائهم للعمل.

 

دعونا نتحدث بالتحديد على الفئة الأولى وهي فئة الموظّفين المجتهدين في أعمالهم، الذين يضيفون قيمة حقيقية لوظائفهم، و لديهم استعداد دائم لتطوير أدائهم ومخرجاتهم. هؤلاء بالتحديد يشكلون صداعاً مزمناً في أدمغة المؤسسات، وذلك لأنّ لديهم احتياجات معيّنة يريدون إشباعها ويرغبون دائماً في أنْ يكون المقابل قدر العطاء، هؤلاء بحاجة دائماً إلى بيئة عمل ذات مواصفات خاصة تشجعهم على تقديم أفضل مالديهم. حقيقة فإنّ الرقم الوارد في الدراسات المشار إليها مخيف للغاية، ويعكس بشكل واضح قصوراً في إدارة الموارد البشرية في مؤسساتنا العربية بمختلف مجالاتها وتوجهاتها. المشكلة الحقيقية التي نعاني منها في مؤسساتنا هي عدم إتقاننا لأسس صناعة الولاء الوظيفي، ومن ثَمّ نحن أمام واقع يقول: إنّ معدل دوران العمل( الالتحاق بالعمل وتركه) في مؤسساتنا مرتفع بشكل ملحوظ، والمتتبع لإعلانات طلب الوظائف  (بصفة خاصة في وظائف التسويق والمبيعات) يلحظ هذا بكلّ سهولة، مع العلم بأنّ الطلب على الوظائف في كثير من الأحيان لا يرتبط بتوسعات أو خطط جديدة في العمل بقدر ارتباطه باستبدال موظّفين جدد محل موظّفين غادروا المؤسسات التي يعملون بها، والواقع يقول: إنّ أجواء العمل في معظم مؤسساتنا تفتقد بشكل ملحوظ للمعايير الصحية، فالنزاعات بين المديرين والموظّفين على أشدّها، والتصادمات بين الموظفين وبعضهم البعض لا تنتهي. الواقع يقول أيضاً: إنّ عقول الموظّفين ما باتت تفكر في مصلحة العمل بقدر ما تفكر في البحث عن فرص جديدة في أماكن جديدة، ولذا فإنّ إنتاجيّة الموظّفين، وإنتاجيّة المؤسسات في أدنى معدلاتها، وحماس الموظّفين للعمل منخفض بشكل ملحوظ. ومديرونا لم يعودوا متفرغين لممارسة مهام الإدارة من تخطيط وتنظيم وتوجيه بقدر ما هم متفرغون لحل مشكلات الموظفين الراغبين في المغادرة أو ملء الوظائف الخالية من أصحابها.

الولاء الوظيفي هو صناعة تحتوي على مدخلات، وعمليات، ومخرجات، نبدأ بالناتج أو المخرج النهائي، ونقول: إنّه عندما ينتج الولاء فنحن بصدد مؤسسة منتجة بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، مؤسسة متكاتفة، مؤسسة يسودها روح الفريق في العمل، مؤسسة مبدعة تقدم كلّ يوم الجديد، مؤسسة مستقرّة تخفض فيها حدّة الصراعات، مؤسسة قادرة على تنفيذ مخططاتها بكلّ سهولة، مؤسسة قادرة على المنافسة، وتمتلك فرصاً ثمينة للتميز والتفرد، مؤسسة جاذبة للكفاءات البشرية وقِبلة للمبدعين.

ونتقدّم للأمام، ونرى أنّ صناعة الولاء عبارة عن عملية تشغيل لمجموعة من المدخلات، أو المبادئ، أو القيم الأساسية  التي تستهدف خلق مناخ صحي يحفّز الموظّفين على التمسك بوظائفهم ومؤسساتهم، ورفض أية مغريات قادمة من مؤسسات أو مجالات منافسة، القيمة الأولى: هي قيمة الحب والاستحواذ على قلوب الموظّفين، فالموظّفون هنا لا يعاملون باعتبارهم ماكينات بل باعتبارهم بشراً لهم تطلعات ولهم احتياجات، وهنا يشعر الموظّفون بأنّهم محطّ اهتمام ورعاية الإدارة التي تحفظ لهم حقوقهم ومصالحهم، وتعطيهم كما تأخذ منهم.           القيمة الثانية: هي قيمة المشاركة حيث يشعر الموظّف بأنّه شريك في المؤسسة وليس مجرد موظّف، والحكمة تقول: ” تعامل مع موظفيك باعتبارهم شركاء، وهنا سيصبحون شركاءك بالفعل ” والشراكة هنا تعني إشراك الموظّفين في عملية اتخاذ القرارات من خلال التعرف على انطباعاتهم ومقترحاتهم، بحيث يتم تجنب سياسة فرض النظم والقرارات والتنفيذ بالأمر، والشراكة تعني أيضاً أنّ الموظفين يجب أنْ يشعروا بأنّهم يتقدمون كما تتقدم الشركة، فهم يحصلون على عائد أكبر، يرتقون في وظائفهم، يحصلون بالتدريج على مزايا إضافية،..الخ.             القيمة الثالثة: هي قيمة الاتصالات المفتوحة حيث تختفي الأجواء التي تمتلئ فيها الشائعات والكلام المنقول وشعور الموظف بأنّ هناك أسراراً لا يعرفها، والأبواب المغلقة والحواجز الوهمية بين المدير والموظّف، لتحلّ محلّها أجواء جديدة تتغذى على الاتصالات المفتوحة بين الإدارة وبين الموظّفين، حيث الباب المفتوح الذي يسمح بمرور المعلومة، أو التوجيه، أو الاقتراح، أو المشكلة، أو الانطباع بكلّ سهولة ويسر بين المدير والموظف. القيمة الرابعة: هي التعليم المستمر، فالموظّف عندما تتاح له الفرصة، ويحفّز على تنمية معارفه ومهاراته بشكل متواصل، وتقدّم له البرامج والإرشادات التي تساعده على تقديم أفضل ما لديه يشعر بأنّه مميّز مقارنة بأقرانه في مؤسسات ومجالات أخرى، وهذا أكبر محفز للولاء. القيمة الخامسة: هي التمكين، والتمكين يعني أنّ إعطاء الموظف الصلاحيات والأدوات التي تمكّنه من أداء المطلوب منه على أكمل وجه، وهنا يشعر الموظّف بالاستقلالية، ويشعر بتقدير الإدارة للمهام التي ينهض بها في العمل.

هذه القيم تشكّل الدعامات الأساسية في صناعة الولاء تلك الصناعة التي نتمنّى أنْ تنتشر في مؤسساتنا كما تنتشر النار في الهشيم، ولكنّها قطعاً لن تكون ناراً تحرق، بل ستكون وقوداً لتحقيق الإنجازات على مستوى الأفراد والمؤسسات والمجتمع.

قد يعجبك أيضًا
عندما بكى الطفل..!
المكونات النفسيّة لقادة الأعمال
مستشار في ورطة

أكتب تعليق

تعليقك*

اسمك *
موقعك الإلكتروني

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الادارةالمديرالموارد البشريةالنجاحترويج و اعلانتسويقريادة أعمالعمل المرأة