الرئيسية مقالات في تطوير الذات

التأثير في الآخرين..!

في صيف عام 1989 كانت “ماليسا” تشاهد التليفزيون في أحد الأيام عندما كان الجو مرتفع الحرارة بعد الظهر. البرنامج الذي كانت تشاهده تحدث عن التنبؤ بالمستقبل لمدة 20 عاماً قادمة وتحدث عن حدوث التلوث بدرجة كبيرة تجعل الحياة على الأرض تتعرض للفناء، ويصعب تنفس الهواء، والماء يتعرض لدرجة كبيرة من التلوث تجعل لونه أسودا وكثافته سميكة. على الرغم من أن ماليسا كانت تبلغ فقط التاسعة من العمر، لكنها فهمت ما يتحدث عنه البرنامج وبدأت في الصراخ، وسألت والدتها: هل أنا سوف أموت صغيرة في السن؟! قالت لها والدتها إن كنت شعرت فعلاً بالانزعاج الحقيقي لما قاله البرنامج فيجب عليك أن تبدئي في عمل شيء ما الآن لمنع التلوث. ذهبت ماليسا إلى غرفتها وكتبت خطابا إلى شخص كانت تعتقد أنه صاحب تأثير ونفوذ في التعامل مع المشكلة، إنه الرئيس جورج بوش الأب، وكتبت ماليسا في الخطاب مايلي: “عزيزي السيد الرئيس،  أنا أريد أن أعيش حتى يصل عمري إلى مائة عام، أنا أبلغ الآن تسعة سنوات من العمر. إن التلوث يقتل العالم.. من فضلك سيادة الرئيس ساعد على منع التلوث، إذا تجاهلت هذا الخطاب، سوف نموت جميعاً من التلوث بسبب الثقوب الناتجة عن التلوث في طبقة الأوزون”. أرسلت ماليسا الخطاب عبر البريد وانتظرت الرد ولكنها لم تحصل عليه. حاولت الاتصال هاتفيا أيضا لم تتمكن من الوصول إلى الرئيس.  قررت ماليسا أن تضع لافتة كبيرة بدرجة كافية بحيث يستطيع أن يراها الرئيس بوش ولذلك قامت بالاتصال بشركة متخصصة في اللوحات الإعلانية في المنطقة التي يقيم فيها الرئيس. وافقت الشركة على أن تضع خطاب ماليسا على لوحة إعلانات بالمجان. تبنت أكثر من 250 شركة متخصصة في لوحات الاعلان هذا الخطاب وانتشرت اللوحات في الكثير من المناطق والمدن الأمريكية. لم تكتفي ماليسا بذلك بل شجعت زملائها في الفصل كي ينضموا إليها في تنظيف المنطقة. وكونت ماليسا نادي باسم “Kids.FACE” أو “كيدز فيس” لتساعد في حماية ونظافة البيئة. الأطفال في جميع الولايات المتحدة كتبوا لماليسا، وسألوها كيف بدأت نادى “كيدز فيس” وعرضوا عليها تأسيس فروع له. الآن هناك أكثر من 2000 فرع لهذا النادي في الولايات المتحدة وفى 15 دولة أجنبية. من إنجازات أعضاء هذا النادي أنهم قاموا بزراعة أكثر من مليون شجرة حتى الآن. ماليسا الآن يتزايد الطلب عليها بوصفها متحدثة على المستوى العالمي، ولقد حضرت مؤتمر القمة عن الأرض في مايو عام 1992 مع سبعة من كبار قادة العالم.

إذا كانت ماليسا قد لفت نظرها البرنامج الذي يتحدث عن تلوث البيئة فان الكثيرين غيرها أيضاً استرعى البرنامج اهتمامهم، ولكن من منهم سعى لتغيير الأحداث والمواقف؟ من منهم امتلك الثقة والقدرة على التغيير؟ من منهم بدأ يتحرك في اتجاه التأثير على الآخرين؟ فقط ماليسا هي التي اتخذت المبادرة. إن الأمر يتعلق بامتلاك القدرة على التأثير في الآخرين وفى الأحداث. إنها سمة الناجحين في هذا العصر. سمة ليس من السهل اكتسابها، وأيضا ليس من السهل التفريط فيها لمن أراد أن يضع له بصمة في هذه الحياة. الحقيقة أن امتلاك القدرة على التأثير في الآخرين يتعلق بداية بوجود رؤية لدى الإنسان يقتنع بها وبجدواها له وللآخرين، ومن ثم تصبح مهمته هي إقناع الآخرين بتبني هذه الرؤية، لاشك أن هذه المهمة تستدعى من الإنسان صاحب الرؤية أن يخلق الرغبة في هذه الرؤية، وكما تقول الحكمة “إنك تستطيع أن تأخذ الحصان إلى الماء بالقوة، ولكن لا تستطيع أن تجبره على الشرب”. وكما يقول كارنيجى عالم النفس المعروف ” إن أفضل طريقة على وجه الأرض تستطيع من خلالها أن تجعل الأخرين يقومون بعمل معين، هي أن تجعلهم يرغبون في القيام بهذا العمل”. أيضاً من المهم أن يستخدم الإنسان البراهين والأدلة لإقناع الآخرين بأهمية تبنى رؤية معينة، فالحماس وحده لا يكفى، فالتأثير في الآخرين لا يعنى أن يسعى الإنسان إلى فرض وجهة نظره بقدر ما يعنى التعرف على وجهات نظر الآخرين واحترامها ومن ثم السعي لتقديم وجهات نظر أخرى تحوز أيضا على احترامهم وتحقق منفعتهم. أيضا يتعلق التأثير في الآخرين بامتلاك القدرة على الاتصال الجيد بهم، وتقديم معلومات واضحة ومباشرة تتسم بمصداقية دون مواربة. التأثير في الآخرين لا يمكن أن يحدث بدون اكتساب الإنسان لثقته بنفسه وإيمانه بأنه يستطيع أن يقود الآخرين في الاتجاه الصحيح. القارىء العزيز عندما تطالع العديد من القضايا في عالمنا المعاصر، سوف ترى أن القضية الأساسية تتعلق بامتلاك القدرة على التأثير في الآخرين، الكل يسعى إلى إقناع الآخرين بسلامة منهجه ومعتقداته، والكل يسعى للحصول على دعم وتأييد الآخرين لفكره وفلسفته. وفى هذا العالم هناك فئة المؤثرين وهناك فئة المتأثرين وهناك فئة المتفرجين، الفئة الأولى هي التي تحكم العالم وتقوده، والفئة الثانية هي التي تشهد على نجاح الفئة الأولى في تحقيق أهدافها، أما الفئة الثالثة فترفض الاستسلام لمعتقدات الفئة الأولى ومن ثم فهي ترفض اتخاذ ذات الموقف الذي اتخذته الفئة الثانية، ولكنها في ذات الوقت غير قادرة على إبراز موقف جديد ورؤية جديدة تؤثر في الآخرين وتقنعهم بتبنيها. أنها دعوة إلى نشر ثقافة التأثير في الآخرين في مجتمعنا الإسلامي والعربي، فما أحوجنا الآن إلى هذه الثقافة، ما أحوجنا الآن إلى أن تكون لنا رؤية مشتركة نقتنع بها قبل أن نحاول أن نقنع بها الآخرين، ما أحوجنا إلى امتلاك زمام المبادرة والفعل، ما أحوجنا إلى الانطلاق بعيداً عن منطقة التأثر والتمسك بمنهج ردود الأفعال.

قد يعجبك أيضًا
الشباب الكووووول.. والعمل..!
ثقافة المؤسسة
وكيف لايحفظ الله المملكة..؟!

أكتب تعليق

تعليقك*

اسمك *
موقعك الإلكتروني

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الادارةالمديرالموارد البشريةالنجاحترويج و اعلانتسويقريادة أعمالعمل المرأة