الرئيسية مقالات في الادارة

أيها المستشارون الإداريّون..فاقد الشيء لا يعطيه..!

في مقال سابق تحدثنا عن أهمية استعانة مؤسساتنا العربيّة بأطباء أو استشاريين لديهم المعرفة والخبرة التي تؤهلهم لقيادة المؤسسات نحو حياة صحيّة مفعمة بالحيويّة في عالم العمال، اسمحوا لي أن أتوجه بحديثي هذه المرة إلى الأطباء أنفسهم فاتحاً بذلك ملف العلاقات غير المؤثّرة التي تربط بين المستشارين في عالمنا العربي، وبين المؤسسات التي تحتاج إلى خدماتهم المتنوعة. ربما ستتملكني نزعة هجوميّة أرجو أنْ يتقبلها الجميع لأنّها نزعة ترتبط بدعوة لتصحيح الأوضاع. فاقد الشيء لا يعطيه، هذه الحكمة طالما سمعت الآخرين يرددونها في مناسبات عديدة وفي مواقف مختلفة، إنّهم يدللون بها على أشخاص يبذلون مجهوداً في سبيل إقناع الآخرين، أو التأثير في الآخرين، أو تغيير اتجاهات الآخرين، إلا أنّهم لا يستطيعون أنْ يحققوا مرادهم، فالآخرون كما هم لا تغيير ولا حراك. فهذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص فشلوا في إقناع الآخرين بتبني قيم معينة لأنّهم بمنتهى البساطة لا يملكونها، المدير غير المنضبط لن يستطيع أنْ يقنع موظّفيه بالانضباط مهما فعل، والأب لن يستطيع أنْ يغرس في أولاده حبّ العمل والاجتهاد في تحصيل العلم والمعرفة والثقافة وهو لا يملك ذلك، والأستاذ لن يستطيع أن يقنع طلابه بأهمية النظام وهو يفقد ذلك.  والزوجة لن تستطيع أن تقنع زوجها بأن يتحرى المصداقيّة في أحاديثه وسوالفه وهي لا تملك ذلك، والحاكم لن يستطيع أنْ يقنع محكوميه بتجنب الفساد والإفساد وهو لا يملك أنْ يتجنب ذلك. عندما أتامل هذا الموقف الإنساني الذي يتكرر في مناحي عديدة، أتصور أنّ الإنسان الذي يؤمن بقيمة شيءٍ ما، ولكنّه لا يتبنى هذه القيمة على المستوى الشخصي يحتمل أنْ يكون مخادعاً، ويستهدف أنْ يحقق مكاسب لنفسه من خلال إقناع الآخرين بتبني هذه القيمة، وإمّا أنّه يقدّر هذه القيمة حق قدرها ويرى أنّها تغيّر كثيراً في حياته وحياة الآخرين، ويريد من الآخرين أنْ يتحلّوا بها، وفي نفس الوقت هو لا يستطيع ذلك بسبب أنّ الهوى يغلبه، أو أنّه لم يتعوّد على ممارسة تصرفات تحضّ عليها هذه القيمة.

الكثير من الأكاديميين، والباحثين، والمستشارين في مجال الإدارة من النوع الثاني فيما يتعلق بنشر المعرفة الإداريّة والتسويقيّة، يطالبون الآخرين بتبني قيم معينة في الإدارة والتسويق ويعجزون هم عن تطبيقها في مجال عملهم وفي علاقاتهم مع من حولهم. يقدمون وصفات واستشارات هم أنفسهم ليس لديهم القدرة على تعاطيها.

ربما هذا المدخل يضع أيدينا على سبب جوهري في عدم تطبيق مديرينا ومؤسساتنا للكثير من القيم التي ينادي بها خبراء الإدارة والتسويق، هذا السبب هو أنّ خبراء الإدارة تعاملوا مع المفاهيم الإداريّة الحديثة باعتبارها مفاهيم وأفكار مجرد ترويجها يحقق الكثير من المكاسب، ربما لو كانوا بالفعل تحلوا بالقيم التي تدعو لها هذه المفاهيم لاستطاعوا أنْ يضعوا أيديهم على المعوقات التي تكتنف تطبيق هذه المفاهيم، ومن ثم استطاعوا أنْ يقدّموا حلولاً مقنعة.

كيف لهؤلاء الأكاديميين والباحثين والخبراء أنْ يطلبوا من أصحاب المؤسسات ومديريها أنْ يضعوا رؤية واستراتيجية محددة وقابلة للتطبيق وهم عاجزون عن وضع رؤية واستراتيجية واضحة يطبقونها في مجال عملهم؟ كيف لهم أنْ يطلبوا من أصحاب المؤسسات ومديريها الاستثمار في موظّفيهم وهم لا يطبقون هذا في عملهم؟ كيف يطلبون من أصحاب المؤسسات ومديريها أن يتجنبوا التفكير مع موظّفيهم بطريقة الحصول على أعلى عائد ممكن بأقل تكلفة ممكنة وهم يفكرون بهذه الطريقة؟ كيف يطلبون من أصحاب المؤسسات ومديريها أن يبنوا ثقافة مميزة في مؤسساتهم وهم عاجزون عن بناء مثل هذه الثقافة؟ وإذا كان  المتخصصون في الإدارة عاجزين عن تحقيق ذلك فكيف للمهنيين أن يحققوا ذلك؟ كيف للمهنيين أن يتبنوا فكراً يدعوا له المتخصصون والخبراء، وهؤلاء الخبراء  أنفسهم يعجزون عن تبنيه؟ هذه نقطة البداية: إلى كلّ خبير أو مستشار أو باحث في مجال الإدارة لتكن لديك قناعة بأنّ فاقد الشيء لا يعطيه، طبق نظم الإدارة والتسويق في مؤسستك، طبقها بين موظّفيك، طبقها في تعاملاتك مع كلّ من حولك، ثم بعد ذلك اطلب من عملائك المستهدفين أن يأخذوا بمشورتك. وأخيراً فإن العلاقة بين الخبرات الاستشارية ومؤسسات الأعمال علاقة متشابكة تحوي العديد من المتغيرات، لعلّنا نتناول جوانب متعلّقة بهذه المتغيرات في مقالات قادمة.

قد يعجبك أيضًا
الحفاظ على الموظفين .. صناعة تفتقدها مؤسساتنا
كيف تكسب ولاء العميل..؟!
ضحايا ريادة الأعمال..!

أكتب تعليق

تعليقك*

اسمك *
موقعك الإلكتروني

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الادارةالمديرالموارد البشريةالنجاحترويج و اعلانتسويقريادة أعمالعمل المرأة